حمود بن متعب بن عفيصان: كم من أخطاء قدر لها أن تقفز إلى كرسي الحقيقة وتتربع مكانها في بهو التاريخ وبعيداً عن قصدية أو عفوية تلك الأخطاء يبقى وجودها واقعاً يحتاج إلى تغيير.
ومن بين تلك الأخطاء التي مع الأسف وجدت من يدافع عنها ما ذهب إليه بعض المشتغلين بالتاريخ من أن تسمية (الخرج) تشير ابتداءً إلى موضع محدد وأنها لم تكن تعني تاريخياً أكثر من حدود تلك البقعة، ولكن الراجح بالأدلة وليس بالنصوص المضطربة أن تسمية الخرج يعنى بها تاريخياً ذلك الإقليم أو الوادي الذي يضم مجموعة قرى.
ويشهد لحقيقة هذه التسمية (إقليم الخرج) ما أورده المؤرخ ياقوت الحموي في (معجم البلدان): (الخرج وادٍ فيه قرى من أرض اليمامة لبني قيس بن ثعلبة بن عكابة من بكر بن وائل() في طريق مكة من البصرة وهو من خير وادٍ باليمامة، أرضه أرض زرع ونخل قليل).. إذاً وطبقاً للحموي فهو واد ويتألف من قرى عدة وليس معنياً به أحد تلك القرى فقط كالدلم أو السيح أو حتى الرغيب.
كما قال أحدهم وهو قول أقرب إلى الطرفة منه للحقيقة، ويرجح نص الحموي على غيره من المؤرخين:
أولاً: الحموي أخذ عن محمد بن إدريس بن أبي حفصة، والحفصي عاش في القرن الثالث الهجري، أي متقدم على أكثر هؤلاء المؤرخين بعشرات السنين. ثانياً: الحفصي من سكان اليمامة (الخرج) وهو من العارفين بجغرافيتها ومواضعها، وما ذكره الحموي كان نقلاً عن مؤلف خطه ابن أبي حفصة يحدد فيه أمكنة اليمامة.
فلا أجد أعدل منه شاهداً على ذاك العصر، في حين أن هؤلاء المدلين بدلائهم مؤرخي الفريق الآخر – حسب اطلاعي- لم يزوروا المنطقة ولم يصل إلينا خبر عن (المجهولين) الذين اخذوا عنهم، بيد أني أعود فأشفع براهيني تلك بشهادات لأبي التاريخ والمؤرخين صاحب السمو الملكي سلمان بن عبدالعزيز – حفظة الله ورعاه – في أكثر من مناسبة آخرها قبل أسابيع أن تسمية الخرج لا تعني مدينة واحدة ولكنها مكونة من عدة مدن مثل السلمية السيح والدلم. فقول الأمير سلمان يعد فصلاً في هذه المسألة لأنه العارف والمتعمق في تاريخ الجزيرة العربية وبالأخص تاريخ هذه البلاد المباركة (المملكة العربية السعودية).
يعضد هذا كله المعنى المعجمي لكلمة الخرج الذي قال فيه الشيخ عبدالله الخميس في (معجم اليمامة): الخرج بفتح الخاء وإسكان الراء فجيم مأخوذ إما من الخرج على زنته وهو الوادي الذي لا منفذ له وهو ينطبق على الخرج المنطقة فهو وادٍ لا منفذ له.. أو من الخرج على زنته أيضاً، ويراد به ما يخرج من الأرض والضريبة والإتاوة ومنه قوله تعالى: (أم تسألهم خرجاً فخراج ربك خير)، وهذا المعنى كذلك ينطبق على الخرج المنطقة فهي أخصب إقليم في اليمامة وأكثرها ماء وأشهرها إنتاجاً.
وهناك اسم أقدم من اسم (الخرج) وهو (جو) كان يعاني الاندثار تحت ركام التاريخ لولا حرص المخلص والعاشق لتاريخ هذا الوطن الأمير سلمان بن عبدالعزيز إذ أطلقه على مزرعته بالخرج.
ولذلك فأهل الخرج يكنون لسموه الكريم المحبة والتقدير والولاء على هذا الاهتمام بتاريخ الخرج، وليست هذه أول أياديه البيضاء على الخرج فلسموه الكثير من الأيادي البيضاء عليها وعلى أهلها، لعل أعظمها وأجلها تعيين هذا الأمير الشهم صاحب السمو الملكي الأمير عبدالرحمن بن ناصر بن عبدالعزيز محافظاً للخرج.. والله أعلم.
اضف تعليقا