صلاح بن إبراهيم الزامل: من معاني الوفاء والحب لمسقط الرأس أصدر الباحث والمؤرخ عبدالعزيز بن ناصر البراك كتاباً عن مدينته التي ولد فيها ونشأ وترعرع، الدلم تلك المدينة التي تقع جنوب الرياض العاصمة. لقد أحب الأستاذ عبدالعزيز البراك أن يبرز مسيرة التطور والبناء والتأسيس لمدينته كيف ولا وقد عاش ورأى بعينيه مراحل هذا النماء والازدهار لمدينة الدلم العريقة في تاريخها وآثارها القديمة، إنها مدينة تقع في أخصب منطقة باليمامة قديماً.
تناول الأستاذ عبدالعزيز البراك هذه المدينة على النحو التالي:
الأماكن والمواقع الجغرافية ودراسة موسعة عن معركة الدلم، والرصد التاريخي للتعليم وكذلك فيما يخص مشروع خفس وغرة الزراعي. ثم أطل المؤلف على الجوانب الاجتماعية والزراعية كما أورد المؤلف الدور الإيجابي ونتائجه للدوائر الحكومية ودعم ذلك بالاحصائيات في جميع المجالات سواء خدمية أو زراعية أو إعانات وغيرها، ولم يغفل المؤلف الجانب التسويقي للصور فالجانب الأرشيفي في ذاكرة الصور التي تعطي للقارئ مشاهدة العين مما يعطي انطباعاً للقارئ ذا مدلول واقعي وحسي ومؤثر. لقد بذل المؤلف جهداً يذكر ويشكر في جمعه للمعلومة من مصادرها المختلفة سواء كانت مكتوبة من المصادر والمراجع القديمة والحديثة والحاضرة، أو كانت شفوية ممن عاصر ورأى الأحداث والوقائع في المنطقة مع التحليل والتدقيق للنصوص، وهذا لا شك واجب المؤرخ ومنهجه في كتابة ما يراه صواباً وحقاً وهي الموضوعية وتدوين البحوث أياً كانت.
كما نراه في معركة الدلم التاريخية فقد بسط المؤلف الرواية التاريخية الشفوية لهذه المعركة التي هي بداية التوحيد للمملكة بعد استيلاء الملك عبدالعزيز على الرياض. ونظراً لقلة المصادر التي تحدثت عن هذه المعركة فقد استعان المؤلف ببحث ميداني وكتابين قام به الفريق ناصر العرفج وهو بحث مهم ونفيس في المجال التاريخي لهذه الحادثة التاريخية التي هي أولى المعارك على يد الموحد الملك عبدالعزيز – رحمه الله – لم يهمل المؤلف الجانب الشعري سواء في هذه الحادثة أو غيرها من أقسام وفصول الكتاب يورد المؤلف قصيدة لأحد الشعراء النبطيين وهو من شعراء ماوان وهي غرب الدلم الشاعر هنا عاش طفولته وصباه وشبابه وكهولته بهذه المنطقة هو الشاعر فنيس بن علي القريني، وكان صياداً ماهراً أخرج بندقيته لأجل تنظيفها فتذكر الأيام الخوالي وذكريات سلفت كانت له في ماوان، فخرجت هذه الأبيات منه وهي تشبه إلى حد ما قصيدة الشاعر الشهير بديوي الوقداني 1296هـ رحمه الله التي مطلعها:
أيامنا والليالي كم نعاتبها
شابت وشبنا وعفنا بعض الاحوالي
إلا أن قصيدة القريني تختلف نوعاً ما في مناسبة القصيدة وأفكارها اتفقت القصيدتان في البحر والقافية وبعض أفكار القصيدة ومضمونها وخصوصاً في تغيّر طباع الناس من الحسن إلى السيىء حسب رأي الشاعرين مع أن الفرق الزمني بين الشاعرين ليس قصيراً فالوقداني – رحمه الله – من شعراء القرن الثالث عشر الهجري، والقريني لعله ولد في أوائل الثلاثينات الهجرية والرجل لا يزال على قيد الحياة، وقد ناهز عمره التسعين عاماً وليس من المستبعد أنه سمع قصيدة الوقداني لأن قصيدته هذه قد شرقت وغرّبت في الجزيرة العربية فأحب القريني أن يحاكيها، يقول فنيس القريني:
وقت تغيَّر وناس في مذاهبها
متغير وضعهم ونقول يا كافي
هات الطويلة تبرق في خشايبها
ارب عقب البطا ما صابها خلافي
يا طول ما هي على كفي نقلبها
وناخذ بها سدحة في ذيك الأطرافي
والرجل في دورة الحذرات نتبعها
يوم خاطي حبي مرقده دافي
ونصد بالريح لا هبت هبايبها
من خوفة تقذره من قبل ينشافي
ليوافقت لي وزانت لي مضاربها
ليذعذع الحظ ذا قسمنا وافي
لي ديرة علها رايع سحايبها
يمطر عليها حقوق نوه إردافي
وهكذا يستمر الشاعر المعمر القريني في تدفق أفكاره وذكرياته عند ماوان القديمة، قديمة الموضع والتاريخ والسنين الغابرة التليدة.
يروي لنا المؤلف قصيدة أخرى لشاعر كذلك سكن منطقة عليَّة الشهيرة وهي كذلك غرب الدلم كان هذا الشاعر يرعى غنماً له في منطقة أخرى فتذكر مرابع علية ورياضها الغنّاء فرسم هذه اللوحة الفنية ولم يذكر لنا المؤلف اسم هذا الشاعر ولعل الراوي وهو محمد بن سود العجمي وهو مصدر المؤلف لم يعرف قائل القصيدة. يقول الشاعر:
يا مل قلب فيه خمسة عشر هاجوس
تداحن بصدري ولنيب مفضيها
وأبشكي على كل أبلج يكسب الناموس
لي دبرت عيرات أمضي ينجيها
ياليتني ما جيت القبعثل ولا أبا الروس
ولا جيت علوش ولا أرض نزل فيها(1)
وقم يا نديبي وارتحل ما رقت النسنوس
ولا دبرت لكن ندمي يجاذيها
ومن الجدع تسرح والعرب في الصلاة جلوس
غب الصبح وقبل الشمس تظهر من سواريها
وحقيا لها عند الضحى في ساري الطغبوس
وغط الصلف فرعه نساح مماسيها
ويايتني في عليَّه واضليعها المريوس
مداهيل جداني وأنا رابين فيها
وتستمر رحلة المؤلف في إبراز مظاهر مدينة الدلم قديماً وحديثاً سيما من عام 1320ه إلى عام 1420ه أي مئة سنة غطى فيها المؤلف هذه المدينة الشهيرة الغنية بآثارها الفخورة برجالها الذين شاركوا في ازدهار بلدهم تعليمياً وزراعياً ونهضوياً وسهل كل ما فيه تنمية لمنطقتهم الغالية.
(1) هذه أسماء مواقع في جبال عليَّة.
اضف تعليقا