عبدالعزيز بن ناصر البراك: المزاح في الإسلام.. هذا عنوان كتاب جميل من القطع المتوسط وعدد صفحاته (159) صفحة صادر عن رابطة العالم الإسلامي ضمن سلسلة دعوة الحق ومؤلفه هو الأستاذ الدكتور حسن عبد الغني أبو غدة أستاذ الفقه المقارن والسياسة الشرعية بكلية التربية في جامعة الملك سعود، والكتاب في مجمله بحث يتسم بالتوثيق العلمي الرصين وبأسلوب أدبي شيق سهل العبارة هادف في مضمونه حيث قام المؤلف بالتعريف بالمزاح بأنواعه مع ايراد الكلام عن المزاح والمازحين في العصور الإسلامية مع إيراد نماذج لذلك من لدن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ثم من بعدهم وقد أكد في هذا الكتيب ما تضمنه الإسلام من سماحة واعتدال في السلوك الاجتماعي مع الآخرين ما دام ذلك يدخل السعادة إلى القلوب ويفرح النفوس ويطبع البسمة على الأفواه ويرضي الله سبحانه وتعالى، وفي توضيحه لأنواع المزاح ذكر منها الانبساط ومعناه السرور وترك الاحتشام الذي هو ضد الانقباض والانغلاق على النفس حيث بوب البخاري في صحيحه (باب الانبساط إلى الناس) وشرح العيني هذا بقوله فيه إشارة إلى مشروعية الانبساط مع الناس وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينبسط مع الناس والصبيان ويداعبهم ويمازحهم، ثم ذكر بعد ذلك الضحك وهو معروف، أما التبسم فهو من مبادئ الضحك مع انبساط في الوجه وربما ظهرت معه الأسنان فإن حدث هذا بصوت يسمعه الإنسان نفسه دون غيره فهو الضحك فإن سمعه غيره فهو قهقهة، وقد استفاض المؤلف في أنواع المزاح ومنها الفكاهة والمرح والملاعبة والنكتة.. الخ، وقد أورد المؤلف عدداً من المواقف التي تدل على المزاح مبتدءاً بقدوة الأمة ومعلمها الأول النبي صلى الله عليه وسلم ففي الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله احملني على بعير، فقال إنا حاملوك على ولد الناقة قال وما أصنع بولد الناقة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهل تلد الإبل إلا النوق؟ أما من أقوال الصحابة والسلف فأورد المؤلف قول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لا بأس بالمفاكهة يخرج بها الرجل عن حد العبوس، وعن بكر بن أبي محمد قال: أهدى المجوس لعلي رضي الله عنه فالوذجاً (نوع من الحلوى) فقال علي: ما هذا؟ فقيل له: اليوم النيروز، فقال علي ليكن كل يوم نيروز وأكل، وفي رواية: قيل له اليوم المهرجان فقال: مهرجونا كل يوم هكذا، وللمزاح ضوابط منها تحري الصدق وأن يكون يسيراً من غير إفراط ومداومة مع تجنب المزاح المحرك للضغائن والأحقاد والابتعاد عن المزاح المروع المخيف، الخ، وللمزاح غايات تسهم في بث جو من الأنس والمودة وزيادة الترابط الاجتماعي، كذلك استجماع النشاط وزيادة الانتاجية وذلك أن الإنسان يمر بأعباء ثقيلة تكون معها الحياة جافة منقبضة تحتاج إلى وسيلة للتنفيس والتخفيف من أجل استجماع النشاط واسترواح نسائم الحياة ومتابعة المسؤوليات باقتدار بعيداً عن السأم والملل، كما أن المزاح يعالج ضعف القلوب وجبرها وأكثر ما يلاحظ في الصغار والنساء والمرضى والبسطاء والمهمومين من الناس وقد أطلق الغزالي على هذا عبارة (المعطيات) وهي مأخوذة من طابت نفسه بالشيء: وافقها وارتاحت إليه ومنه طيب خاطره وأرضاه ولاطفه ومازحه أو هدأه وسكنه ويسهم المزاح في زيادة الفكر وشحذ الذهن وتقوية البديهة واستشارة الذكاء، أما نشر البسمة على الأفواه واشاعة الفرح والسرور فهي من أهداف المزاح حيث إن هذه مستلزمات إنسانية يحبها الناس ويطلبونها وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتبسم ويضحك وكان تبسمه أكثر من ضحكه وكان ينبسط إلى أهله وإلى الناس ويمازحهم ويدخل الفرح والسعادة والسرور على نفوسهم وعن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي، أما المزاح الفعلي فقد أورد المؤلف نماذج من مزاح النبي صلى الله عليه وسلم ومزاح بعض الصحابة ومنها مسابقة عمر للزبير مزاحاً فعن أبي الحويرث المرادي قال سابق عمر الزبير براحلته فجعل عمر إذا بذت راحلته راحلة الزبير يقول سبقتك ورب الكعبة، وجعل الزبير إذا بذت راحلته راحلة عمر يقول سبقتك ورب الكعبة، واختم بمعلومة جديدة على كثير من القراء وهي مزاح جحا أو نكته حيث كان في ذهن الكثير أن جحا شخصية وهمية لا وجود لها بينما أثبت المؤلف اسمه فقال: ومما يصح إدراجه في عداد المازحين من السلف (جحا) فإنه يعد من التابعين في عدد من المراجع واسمه دجين بن ثابت وكنيته: ابو الغص وقيل أبو الغصين واشتهر بجحا وكانت أمه خادمة لأم أنس بن مالك رضي الله عنه وكان جحا فاضلاً مزاحاً تغلب عليه السماحة وصفاء السريرة وقد عمل الناس على لسانه كثيراً من النكت والنوادر والفكاهة والمزاح والحكايات المضحكة التي لا أصل لها، وأول من ذكره من الأقدمين الجاحظ المتوفى سنة 255 للهجرة حيث أورد في كتابه (القول في البغال) نوادر بطلها جحا دون أن يترجم له ما يدل على أن جحا كان معروفاً في أوائل القرن الثالث الهجري ثم ذكره ابن النديم صاحب (الفهرست) المتوفى سنة 385هـ وذكر كتاباً قائماً بذاته اسمه (نوادر جحا) ثم تكرر ذكره في العديد من الكتب كالقاموس والصحاح ومجمع الأمثال وذكره السيوطي وكثيرون غيره، وبهذا ينتهي الكلام عن المزاح والمازحين من السلف بعد عصر النبوة والصحابة وهم كما رأيت من أعلم الناس وأفضلهم وأورعهم وأخوفهم لله تعالى ولم يمنعهم صدق أحوالهم وحسن سرائرهم من المزاح الذي سبق الكلام على مشروعيته واباحته، وفي الختام أقدم الشكر والتقدير للأستاذ الدكتور حسن أبو غدة على هذا البحث القيم والشكر موصول لرابطة العالم الإسلامي التي تسعى منذ تأسيسها على نشر الثقافة الإسلامية الموصلة لخدمة الأمة واسعادها.
اضف تعليقا