الدلم ورد في قصائد عنترة باسم «الديلم» قبل ظهور الإسلام

الملك عبدالعزيز يقر إمارة عبدالله الحقباني، والشيخ الصيرامي قاضياً

حلقات أعدها : فهد عبدالله الموسى
آثار قديمة
نصحبكم هذا الأسبوع بجولة في الواحة الغناء الدلم حيث أشجار النخيل وروعة الغروب عندما تلامس خيوطه كثبان الرمال الذهبية.
في حلقة اليوم نتحدث عن معركة الدلم الشهيرة والتي تعد من أهم الأحداث التاريخية التي شهدتها المدينة..
تعد مدينة الدلم أكبر مدينة في محافظة الخرج بعد السيح. فهي واحة غناء تتربع بين أغصان الأشجار وواحات النخيل وكثبان الرمال الذهبية. في أرض طة باتجاه الشمال والجنوب إذا التفتَّ شرقاً فستجد منظراً آسراً عند غروب الشمس أو شروقها إذ تتمدد الأشعة على كثبان رمال الضاحي الشامخة بتؤدةٍ مبرزة شكلاً أخاذاً لهذه الكثبان. هذه المدينة القديمة والحالمة لها تاريخ ومعركة عام 1320هـ وشواهد تاريخية فيها زراعات وصناعات كبيرة تسهم في مسيرة التنمية المباركة في هذا العهد الزاهر بالأمن والاستقرار. يتبعها قرى وهجر وأحياء وأودية فحول تصب فيها السيول من ظهرة علية من عارض اليمامة منع جبال نجد.
ترى الدلم من علو فتجدها خضرا تنعش النفس وتريح البصر خاصة في موسم زراعة القمح والمحاصيل الشتوية واستخدام أجهزة الري المحوري.
وقوعها على طريق الجنوب العام الدولي المتجه من عاصمة المملكة الرياض الى أقصى جنوبها زادها أهمية وحركة تجارية وعمرانية وزراعية تبعد عن الرياض بحوالي 90كم جنوباً تشتهر بانتاج مزارعها من الحبوب والتمور والخضار والفواكه والأعلاف الى جانب المشاريع العملاقة لصناعة وانتاج الألبان وتربية الدواجن والأغنام وتعبئة التمور ومشاريع النخيل العملاقة فهي تتهيأ لتكون مدينة المليون نخلة يتميز أهاليها بالطيبة والتكاتف والتآلف والتفاني في خدمة هذه المدينة بل يتنافسون في تقديم أموالهم وأوقاتهم في تطوير الخدمات مما هيج مشاعر الشعراء فكتبوا فيها القصائد وكتب عن تاريخها المؤلفون مدينة الدلم مركز التاريخ والآثار بها أكثر من 330 مسجداً للأوقات و33 جامعاً و14 مصلى للأعياد و80 مدرسة للبنين والبنات وكلية تربية للبنات ومستشفى الأمير سلمان بن محمد ومستشفى خيري جديد وأكثر من 25 دائرة حكومية تمثل فروع الوزارات وجمعيات خيرية ومؤسسات وشركات أهلية عملاقة وبنوك.
وقد احتفل الأهالي في الدلم مؤخراً بتكفل صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز ببناء وتكملة مستشفى الصحنة بالدلم على نفقة سموه.
الدلم في كتاب المعاجم واللغة
حينما نبحث في كتب اللغة ومعاجم البلدان عن معنى الدلم، نجد ان من ايحاءاتها ومدلولاتها: الشدة، والقوة، وما يرتبط بهما من معان من قريب أو من بعيد.
يقول أبوبكر محمد بن القاسم الأنباري المتوفى سنة 328هـ في حديثه عن بيت عنترة:

 

شربت بماء الدحرضين فأصبحت
زوراء تنفر من حياض الديلم

إن عنترة يتحدث عن ناقته في البيت ويذكر أنها وردت الدحرضين وشربت من مائها فهي به آمنة ريا تنفر عن حياض الديلم، أي مياه الدلم.. ويذكر عن أبي العباس عن أبي ملحم أنه قال: حياض الديلم مياه معروفة للأعراب.
ثم حكى عن بعضهم ان الديلم تعني الداهية، وأورد قول من قال: بأن الديلم مياه لبني سعد.
ويقول: إن «الدحرضان» ماءان يقال لأحدهما دحرض وللآخر وسيع، فلما جمعهما غلب أحد الاسمين.
أما الشيخ الإمام شهاب الدين أبوعبدالله ياقوت الحموي الرومي البغدادي المتوفي سنة 646هـ فقد ذكر في معجمه للبلدان انه اسم ماء لبني عبس، وهو الذي عناه عنترة في بيته المشهور. وذكر عن الحفصي إنه يقول: الديلم اسم ماء في العرمة من أرض اليمامة.
وذكر كذلك ان ديلمي هو جبل متصل بجبل شيبة وهو المشرف على المروة في مكة المكرمة.
أما ابن منظور المتوفى سنة 711هـ يقول فيذكر ان من معاني الديلم الجماعة الكثيرة من الناس، وأنها هي الجماعة من كل شيء.. أورد عدة نصوص، يؤيد بها ما ذهب اليه من أن هذا اللفظ يعني القوة والشدة، فقال: وفي الحديث. فجاء رجل أدلم فاستأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، قيل هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
ثم قال: والديلم ماء معروف بأقاصي البدو، وفي التهذيب ماء لبني عبس. أما الحياض التي تحدث عنها عنترة فقد قيل: عن حياض الأعداء، وقيل عن حياض لبني عبس.
ويذكر صفي الدين عبدالمؤمن بن عبدالحق البغدادي المتوفى سنة 739هـ ان الديلم ماء لبني عبس، ثم يقول: وقيل بأرض اليمامة.
والدلم – مدار الحديث – منطقة عامرة لم تكن لوحدها في فلاة من الأرض أو منقطع من الطريق إنما كان النماء والعمران والحيوية والنشاط يعمها ويغمرها بكامل قراها والمناطق المجاورة لها، فدلف اليها الشعراء يجوبون فيافيها، ويتحدثون عن بعض أماكنها.
هذا عنترة بن شداد فارس بني عبس يمر بنعجان الملاصقة للدلم شمالاً، ويذكرها في شعره:

عرضت لعامر بلوى نعيج
مصادمة فحام عن الصدام

يقول ابن بليهد في صحيح الأخبار ان «نعيج» هذه هي القرية التي تدعى الآن نعجان.
وذاك امرؤ القيس جاء الى ماوان، أو أن ماوان تلك ذهبت اليه فعرفها وتحدث عنها وعن سلسلة جبالها في قوله:

بمجفرة حرف كأن قتودها
على أبلق الكشحين ليس بمغرب
اقب رباع من حمير عماية
يمج لعاع البقل في كل مشرب
عظيم طويل مطمئن كأنه
بأسفل ذي ماوان سرحه مرقب

يقول ابن بليهد في صحيح الأخبار: ماوان الذي ذكره امرؤ القيس واد عظيم وسط علية الجبل المشهور في عارض اليمامة، وهو من أمنع جبال نجد، ومما يجري على لسان العامة قولهم «كأنه في رأس علية» يعنون به أنه في منعة وأمان وأنه لن يصل اليه أحد، وماوان هذه واقعة بين بريك ونساح، وفيها – بقايا قصور – ومزارع.
وتحدث الشاعر الأحسائي ابن المقرب عن ماوان، وهو يمدح الأمير محمد ابن أحمد العيوني فقال:

سائل ديار الحي من ماوان
ما أحدثت فيه يد الحدثان
واطل وقوفك يا أخي بدمنة
قد طال في إطلالها أدماني

وقال كذلك:

ما أنصف الطلل العافي بماوانا
لم يشجه يوم سلمنا وأشجانا

معركة الدلم الشهيرة
تعد معركة الدلم عام 1320هـ من المعارك الفاصلة لذا تجد الأعيان وكبار السن في الدلم يتناقلون أحداثها وتفاصيلها في مجالسهم وكأنها حدثت بالأمس القريب، فيذكرونها وهم يحمدون الله على ما منَّ به من نعمة توحيد هذه البلاد، ويترحمون على قائد المسيرة – الملك عبدالعزيز – يرحمه الله – حيث يذكر سلمان بن ناصر الحقباني «يرحمه الله» وكان أحد أعيان الدلم تفاصيل المعركة فيقول: بعد ان استرد الملك عبدالعزيز يرحمه الله – الرياض كتب لأهل الدلم للقدوم عليه ومبايعته، ولكنهم أبطأوا قليلاً فكتب لأميرهم عبدالله بن ناصر الحقباني فذهب الى الملك عبدالعزيز في الرياض ومعه وفد من أهالي الدلم وذلك بعد ان حضهم القاضي الشيخ عبدالعزيز بن صالح الصيرامي على المضي اليه. فلما وصلوا وقابلوه عاتبهم على تأخرهم عن المجيء اليه، فقالوا إن في ذمتهم بيعة لابن رشيد «لأنهم تابعون له» وقال له ما قصرت مع رفيقك «يقصد ابن رشيد».
ثم بايعوا الملك عبدالعزيز على السمع والطاعة والجهاد معه ضد أعدائه ثم أقر إمارة عبدالله بن ناصر الحقباني وتحكيم الشريعة الاسلامية من قبل قاضي الخرج الشيخ عبدالعزيز بن صالح الصيرامي، وقد حاول عبدالله بن ناصر الاعتذار من الامارة فلما سأله الملك عبدالعزيز عن السبب فقال له إن «الحامي» أي السور قد هدمه ابن رشيد والسلاح مسلوب والمال مأخوذ وعندما يحصل تقصير مستقبلا ستكون الملامة عليه وحده.
عندئذ زوده الملك عبدالعزيز بعشرين قذيفة فرجع بها مع جماعته وقد وضعوها في خصف التمر موهمين من يراها أنها قلال تمر لكثرة قطاع الطرق وانعدام الأمن. وعندما وصل الى الدلم وزع السلاح على بعض المقاتلين ثم أمرهم ببناء السور. بعد ان تم توزيع العمل بينهم فكان شمالي السور على أهل المحمدي وجنوبيه على أهل العذار وغربيه على أهل القبلة من الدلم وشرقيه على أهل الحلة، فتكاتفوا وأنهوا بناء السور خلال اسبوع واحد.
وصادف أحد تجار الأسلحة ماراً على الدلم قد أتى من قطر ومعه عدد من البنادق فاشتريت منه فزاد عدد السلاح مع المقاتلين.
وكل ذلك استعداداً لما قد يحصل من ابن رشيد الذي عندما وصل الى الدلم وخيم بالقرب منه عند رمال «طعوس» غروي قرب جسر السيارات الحالي شمالا وقد فوجىء بأن الدلم محصنة وأهلها قد انضموا مع الملك عبدالعزيز بعد ان بايعوه، فأسقط في يده وخاب ظنه، وعلى الرغم من هذا أصرَّ وألحَّ في الوصول الى ما يريد تارة بالتهديد وتارة بالترغيب ولكن الأهالي لم يستمعوا شيئاً من ذلك ثم أرسل مندوباً منه يستطلع الأمر ويستميل الأمير عبدالله بن ناصر الحقباني ويغريه بالمال، ولكنه صمد ومعه جماعته من أهل الدلم وشيخهم وقاضيهم الشيخ عبدالعزيز بن صالح الصيرامي الذي شجعهم على الصبر ومواصلة الدفاع وعدم الاستسلام حتى يسر الله النصر وأخذل عدوهم. ومن الأهالي عبدالرحمن العرفج الذين رفضوا الاستجابة من أي طلب يطلبه فأخذوا يشجعون المقاتلين ويشدون من أزرهم للدفاع عن بلدتهم ومقاتلة ابن رشيد وجنده.
فلم ييأس وأرسل لهم رسالة ثانية وهو يغريهم بالأموال الطائلة ليعوض عما مضى. فكان مما ورد في كتابه: أنا معزبهم الأول – البندق عنها بندقيتين – والريال كذلك. فرد عليه الأهالي وأميرهم وشيخهم بكتاب يتضمن ما يريدون أن يقولوه له، فكتبوا ما يلي: من أهالي الدلم الى عبدالعزيز ابن رشيد.. الحامي وبنيناه.. والسلاح شريناه.. والريال يخلفه الله وإنا جادين والله عليك عوين. فشدوا الحصار على البلدة، ونصب المدفع وأخذ يضرب البلدة ولكنه لم يصب شيئا لأنه إذا رفع المدفع أطلق في الهواء وإذا خفض أطلق في الأرض، بينما كان المسؤول عنه يقوم بتنظيفه – حيث يقتضي تنظيفه أن يدخل فيه «في جوف المدفع ينظف أجزاءه الداخلية» فحينما كان يقوم بهذه المهمة وجه أحد الرماة من أهالي الدلم الذين كانوا فوق المتاريس وجه بندقيته الى فوهة المدفع وقتل المسؤول عنه داخله وأعطبه.
وبقيت الحرب سجالاً بين أهالي الدلم وبين ابن رشيد وجيشه في نخيل المحمدي وكل يوم يكون هناك قتيلا أو أكثر واستمرت على هذه الحال قرابة الشهر والنصف قبل وصول الملك عبدالعزيز من الحوطة، وعندما قلَّت المؤنة «الذخيرة – أو الفشك» أرسلوا واحداً منهم هو محمد بن شديد والد الشيخ عبداللطيف بن شديد القاضي المعروف -رحمهما الله – الى حوطة بني تميم لجلب المؤنة. وهناك التقى بالملك عبدالعزيز وسأله علومك يا ابن رشيد فقال العلم خير يا طويل العمر، كسرنا فيه عظم ما يجبر وسواقي المحمدي تمشي دم من رجاله وهو ذليل وضعيف ونبي كسيرته على يدك إن شاء الله يا طويل العمر، فأمر الملك عبدالعزيز على ابن شديد أن يكون بشيراً لأهل الدلم.
وخلال هذه المناوشات بين الطرفين قام بعض رجال بن رشيد بقطع بعض النخيل في احدى مزارع خارج الحامي لغرض اتلافها واجبار الأهالي على التسليم ولكن خرج عليهم بعض المقاتلين من الدلم وحصل بينهم جلاد وطراد الى ان انسحبوا الى معسكرهم ومعهم المدفع يجرونه بينهم بعد تعطله.
وكان رجال من الدلم يذهبون ليلاً الى مخيم بن رشيد هناك فيسطلعون الأخبار من كثب من خلال رؤية الموقف العام في الخيم ويأتون بالأخبار لجماعتهم ومن هؤلاء حسن اليمني وعبدالرحمن بن غانم «السعساع».
كذلك كان الشاعر محمد أبا الحسن من خاصة بن رشيد وأحد شعرائه، فعندما طال الحصار حنَّ لبلدته وأهله فأنسل الى الدلم ليلاً من خيمته تاركاً خيمته ومعامليه فلما وصل عند الدروازه الشرقية وأخذ ينادي من بالداخل ليخبرهم أن الوضع متردي في جيش بن رشيد فلما سمعه أخوه فتح له الباب ثم قيده وسجنه حتى لا يذهب مرة أخرى لمعسكر بن رشيد فيعلم بذلك فيقتله فلما انتهت المعركة سمع العرضة بدأ يزحف وهو يرسف في قيده ففك من قيده وشارك معهم بقصيدة حربية اعجبت الملك عبدالعزيز وأعجبت الأهالي ثم أصبح أبالحسن من شعراء الملك عبدالعزيز الخاصين الذين يبحث عنهم وقت العرضة والنشيد.
ولما اجتمع الملك عبدالعزيز وأهل الحوطة في السلامية زحف بهم ليلا فوصل الدلم قبيل الفجر ودخلها من الجهة الجنوبية الشرقية قرب عروق الضاحي، فلما دخل البلدة وصلى الفجر نام في بيت الشيخ عبدالعزيز بن صالح الصيرامي حتى الظهر.
ثم اشعلت بريزه الحرب فعلم ابن رشيد انه قد جاءهم مدد وأن الملك عبدالعزيز قد دخل الدلم ليلاً فحدثت بعد ذلك مناوشات قتل فيها عدد قليل من الطرفين وفي صباح اليوم الثاني عمل الملك عبدالعزيز هو وجنده كميناً في المحمدي شمال الدلم وأرسل من يأتي له بالخبر ولكن هؤلاء لم يجرؤ من القرب من جيش بن رشيد ولذلك قالوا انه لم يخرج اليوم فأمر الملك عبدالعزيز بالعرضة النجدية في الشهراني شمال الحلة وبعد ان انتهت العرضة دخلو لبلدة للغداء فما ان بدأوا بالأكل حتى جاءهم النذير يخبرهم ان ابن رشيد اقبل على المحمدي، فتركوا الطعام وصارت الحرب سجالاً من الضحى حتى قرب المغرب وعندما حل الظلام انهزام ابن رشيد وعاد الى مخيمه ثم اشعل النيران في مواقع عدة وربط بعض الكلاب ورحل عن المكان متجهاً للشرق.
وفي صباح اليوم الثاني أقام الملك عبدالعزيز والأهالي بعد النصر العرضة النجدية في سوق الدلم الحالي وأخذ أهل الدلم يثنون على الملك ويمتدحونه بالقصائد الحربية التي قيلت في هذه المناسبة. ثم أقام بينهم لمدة أسبوع يرتب الأمور ثم غادر الدلم الى الرياض وهكذا انتهت أول مواجهة عسكرية بين الملك عبدالعزيز وابن رشيد بانتصار الأول نصراً مؤزراً.
الدلم والإمارة
مرت المنطقة بفترتين اثنتين، لكل واحدة منهما صفاتها وخصائصها المميزة لها، كانت الفترة الأولى، هي ما قبل استتباب الأمن، ودخول المنطقة تحت حكم الأسرة السعودية، أما الثانية فهي تلك الفترة التي صارت المنطقة فيما ضمن نفوذ الدولة السعودية، وتحت سيطرتها، فكانت منطقة أمن وأمان، وزمن رخاء وازدهار.
كانت امارة الدلم في الفترة الأولى: تبعاً لمن توافرت له أسباب الزعامة والنفوذ، والغلبة التي من أبرزها الشجاعة، والإقدام، وسديد الرأي، والسخاء، وبذل المعروف، ولم تكن محصورة في أسرة واحدة، أو بيت محدد، طوال الفترة الماضية، وإنما هي لمن دان له الآخرون بالزعامة والرياسة، في فترة من الفترات كانت لدى آل عثمان، وفترة أخرى آل زامل من عايذ، وقبلهم كان آل محمد وآل حاضر، وقبلهم آل عيسى، وربما آخرون وآخرون، سادوا ثم بادوا فذهبوا، ورحلوا مع تاريخهم.
الفترة الثانية بدأت بمجرد خروج نفوذ الدولة السعودية من حدود الدرعية، وبسط سيادتها على البلدان المجاورة، إذ صار الأمير يعين من قبل الدولة، وتفيد المصادر بأنه، قد تولى على الدلم عدة ولاة منهم من كانت مدة ولايته عليها لم تتجاوز بضعة أشهر، ومنهم من كانت ولايته لسنوات قد تصل الى العشرين، وربما تجاوزتها، كان من أبرز الأمراء الذين وصلت الينا أسماؤهم:
سليمان بن عفيصان المتوفى عام 1207هـ:
عين أميرا للدلم مدة يسيره سنة 190هـ، وذلك بعد ان أصدر الإمام عبدالعزيز بن محمد أمرا بعزل زيد بن زامل عن رئاسة الدلم، الذي فر من الدلم هو وابنه، لكنه لم يلبث إلا وقتاً يسيراً حتى عقد تحالفاً مع البجادي أمير اليمامة، وكر راجعاً الى الدلم، فدخلها وقتل عشرين رجلا من الحامية السعودية فيها، الأمر الذي ألزم سليمان بن عفيصان بالخروج منها، فعادت الدلم مرة ثانية الى سيطرة زيد بن زامل، وظلت تحت هذه السيطرة حتى قتل زيد بن زامل العائذي خارج الدلم من قبل سليمان بن عفيصان. عاشت الدلم بعد مقتل زيد هذا فترة فوضى وشقاق وخلاف بين أفراد أسرة آل زامل، حيث تولى الرئاسة بعده ابنه براك بن زيد بن زامل، ولم يلبث إلا وقتاً قصيراً حتى قتله أبناء عمه، وتولى رئاستها تركي بن زيد بن زامل واستمرت المنطقة في هذا الوضع حتى جاءت سنة 1200هـ، حيث عاد لتولي إمارتها سليمان بن عفيصان مرة أخرى بعد ان هجم عليها الأمير سعود بن عبدالعزيز وقتل تركي بن زيد بن زامل.
عبدالله بن سليمان بن عفيصان:
كان والياً على المنطقة من قبل الإمام سعود بن عبدالعزيز رحمه الله وظل ولياً عليها في فترة حكم الإمام عبدالله بن سعود، قتل رحمه الله سنة 1234هـ من قبل الآغا جوخ دار، الذي نزل الدلم في هذه السنة وقتل عدداً من رجالها.
وممن عين أميراً للدلم كذلك: محمد بن عبدالله بن سنبل، عبدالله بن محمد بن سنبل رحمهم الله.
وفي سنة 1309هـ تقريباً ابتدأ نفوذ حكم أسرة آل رشيد، يتغلغل في المنطقة، الى ان أبعدهم عنها الملك عبدالعزيز بعدما استولى على الرياض، ثم توجه الى الخرج، وكانت النهاية لحكمهم في سنة 1320هـ، وخلال الأحد عشر عاما هذه التي كانت المنطقة واقعة فيها تحت نفوذ آل رشيد في حائل، كان الولاة يعينون، فيها ويعزلون منها بأمر من الحاكم في حائل، وكان مما حفظته لنا ذاكرة أهالي المنطقة أسماء ستة أمراء خلال هذه الفترة، وهم:
سعد الطوير، وكان من «رجاجيل» ابن رشيد، أي أنه أحد مواليه، أو خدمه. ومبارك بن صمعي، ومرزوق الرشيد، ومحمد بن طالب، وعلي القرمط، رحمهم الله.
عبدالله بن ناصر الحقباني:
عين أميراً للدلم من قبل ابن رشيد سنة 1316هـ تقريباً، وحينما دخلت المنطقة في حكم الملك عبدالعزيز سنة 1320هـ أبقاه الملك عبدالعزيز أميراً حتى توفي رحمه الله سنة 1327هـ.
عبدالرحمن بن محمد بن عرفج:
اختير لأن يكون أميراً للدلم بعد عبدالله بن ناصر الحقباني، إذ كان رحمه الله ذا رأي.
ناصر بن سليمان الحقباني:
هو ابن أخ عبدالله بن ناصر الحقباني – السابق ذكره – عينه الملك عبدالعزيز أميراً فيها عام 1344هـ، وذلك استجابة لرغبة أهالي الدلم، وبقي أميراً حتى توفي رحمه الله سنة 1367هـ.
عبدالعزيز بن سيف:
تم تعيينه أميراً في الدلم، رحمه الله بعد ناصر بن سليمان الحقباني.
صلح الشنيفي:
تم تعيينه أميراً في الدلم، رحمه الله بعد ابراهيم بن سيف، ظل فترة في الإمارة ثم اعتذر عنها.
عبدالعزيز بن سعد السويري:
بعدما اعتذر صالح الشنيفي من إمارة الدلم، عين فيها عبدالعزيز بن سعد السويري، وظل رحمه الله أميراً لمدة ما يقارب خمس سنوات.
عبدالعزيز بن سعد بن مدعوج:
كلف أميراً في الدلم بعد عبدالعزيز السويري.
إبراهيم بن مشاري:
لم تكن فترة توليه رحمه الله لإمارة الدلم طويلة.
سلطان بن محمد بن سلطان:
ظل في امارة الدلم فترة طويلة، وقد تجاوز ما لم يصل اليه الأمراء السابقون الذين تولوا إمارة الدلم، حيث قضى فيها رحمه الله عشرين سنة، توفي وهو أمير الدلم.
عبدالرحمن بن إبراهيم بن معمر:
عين أميراً للدلم بعد ابن سلطان، كان ذا ورع وتقى، وفي هذه الفترة صدر نظام المناطق وصارت الدلم مركزاً تابعاً لمحافظة الخرج. توفي رحمه الله في 7/9/1415هـ. وكان رحمه الله له دور كبير في المطالبة ببعض المشاريع الكبيرة للدلم وكان ذا كرم فتح أبواب الامارة ليلاً نهاراً ليقوم بتلبية احتياجات الناس.
إبراهيم بن عبدالرحمن المعمر:
عين رئيساً لمركز الدلم بعد وفاة والده رحمه الله، ولا يزال رئيساً لمركز الدلم حتى عام 1421هـ حيث نقل محافظاً لمحافظة رماح وقد ساهم في الارتقاء بخدمات المؤسسات وذلل العقبات.
عيد بن يوسف القبلان:
عين في عام 1421هـ رئيساً لمركز الدلم وهو من الكفاءات الإدارية الجادة في سبيل الارتقاء بالعمل من الادارات الحكومية على حسن الادارة والأداء وقام بواجباته على أحسن وجه له دور كبير في المناسبات وحب اجتماع الأهالي وتلبية احتياجات المواطن وتقديم الخدمات في جميع الأحياء عرف بكرمه وحب الناس له وتفانيه في العمل فاستمرت أبواب الإمارة مفتوحة ليلاً ونهاراً وداراً لاجتماعات مديري الدوائر الحكومية والالتقاء بالأهالي والمواطنين.
الشعراء أثناء المعارك
إن الشعر آنذاك كان يعتبر أحد وقود المعارك ومذكي نار الشجاعة للجميع لحماية البلاد وغلبة العدو الذي يكون أحياناً خلف الأسوار وتقع بينه وبين أهل البلاد مساجلات وجلاد خارج الأسوار ومن هؤلاء الشعراء الشاعر محمد بن عبدالله أبالحسن والذي ذكره الشيخ عبدالله بن خميس بقوله شاعر الخرج وحامل راية الشعر فيه وحربياته مفضلة لدى أهله وكلها قصيرة ولكنها أثيرة.
وقد كان الشاعر (أبالحسن) مع جيش ابن رشيد عندما خيم قرب الدلم حيث انه قد التحق به في خدمته ولكن الحميِّة والشوق الى بلده وأهله جعله ينسل من خيمته تاركاً أدوات قهوته وغيرها دخل الدلم خفية وقد قال هذه القصيدة التي يصور فيها ابن رشيد بعد قيامه بتخريب النخل نكاية بأهل الدلم الذين انضموا للملك عبدالعزيز وحاربوا معه يقول:

طلبت الله علام السريره
عزيز الشان عينه ما تنام
آبات الليل وعيوني سهيره
أدوَّر الفكر في شي جرالي
بلينا وابتلينا بحرب لابه
بابن متعب وسكان الشمالي
يبي دارنا وحنا ذراها
نزول ولانا عنها مزالي
وعزت ديلم وقالت يا حماتي
هل الطولات ياتالي رجالي
قلنا هلا يا دارنا حقك علينا
نهار الكون ترخِّص كل غالي
الى ساقوا علينا البل سقنا
عمار جداد واركاب غوالي
مهوب الفخر في شحم الفراس
شحمنا أرقاب عن شحم الهمالي

وفي قصيدة أخرى يذكر فيها الخطر المحدق بالدلم ولكنهم بايمانهم بالله وعزيمتهم القوية وحبهم لقائدهم الملك عبدالعزيز رحمه الله – قد قاموا بناء السور المهدم ثم يذكر الجميع بحشد القوة وعدم الخوف من الموت وهذه القصيدة مشابهة لما قبلها في بعض الأبيات وهي كالتالي:

طلبت الله علام السراير
عزيز الشان ما تخفاه حالي

هذه قصيدة نبطية لشاعرة من الدلم عبرت عن مشاعر الفرحة بانتصار الملك عبدالعزيز حيث تقول في قصيدة رواها الشاعر محمد بن ابراهيم بن سالم:

لو صرت عودٍ يالدَّلم ما نسيناك
لو كان يتلاك الرمل واللياح
وكم واحدٍ ودَّه يعفِّج زواياك
وعدَّوه صبيان الدّلم بالسلاح
جعل العدو يموت ما شرب من ماك
دار لنا مبنيةٍ في الفياح
إلا أبوتركي شرب من صافي ثناياك
وجعله عليه مباركٍ ذ الصباح
وإلا الذي غيره فهذاك يفداك
ربعي معدينه طيور الفلاح

 

المصدر