عبدالله العسكر: إن النفس مجبولة على حب من أحسن إليها سواء كان ذلك من الأشخاص أو البلدان، وتستشرف إلى معرفة صفات ذلك المحبوب ومحاسنه بل يرى العاقل أن من واجبه قراءة تاريخ ذلك المحبوب أو كتابته رداً للجميل.
وإن مما كنت أستشرف له معرفة تاريخ مدينة عشت فيها ريعان شبابي، وعاش أسلافي من الآباء والأجداد على ترابها وهي مدينة (الدلم) عاصمة بلدان الخرج سابقاً .. ولفت نظري كتاب جمعه الأخ الأستاذ عبدالعزيز بن ناصر البراك عنوانه ( الدلم في مائة عام).
والأخ عبدالعزيز عرفته في بداية شبابي وإن كان يكبرني في السن بلين العريكة وبشاشة الوجه وحسن السريرة، إلاّ أن لي مع كتابه وقفات أبدي فيها ملحوظاتي على الكتاب وهي:
1- أنه جعل كتابه محصوراً في مائة عام، وهذا يلزم منه ألا يذكر ما قبل هذا التاريخ، ولكنني أرى أنه ذكر في كثير من ثنايا الكتاب ما قبل ذلك بكثير، ناقلاً كثيراً من ذلك من كتابي الأستاذين (سعد الدريهم ومحمد بن زيد العسكر) ولم يأت بزيادة تذكر أو تعقيب على معلومة مغلوطة أو مبتورة إذا وجدها، فيصبح بهذا مكرراً لمعلومات سابقة بما لا فائدة فيه.
2- حينما ذكر في مقدمته انه قسَّم الكتاب إلى عدة فصول لم يبين للقارئ بداية الفصل ونهايته حتى ترتبط المعلومة للقارئ، أو جعل فهرساً لهذا الفصل لكي يهتدي القارئ إلى ما يريده، ومعروف لدى الباحثين أهمية خطة البحث وتبويبه.
3- أ – في فصل الأماكن والمواقع الجغرافية لم يبين الخطة التي سار عليها في ذكر الأماكن، هل هو بالأقدمية التاريخية أو بالحروف الأبجدية، فخرج في بحثه عن هاتين الطريقتين.
ب – حينما ذكر من الأماكن (الديرة) وسرد فيه معلومات لم يبين مرجعه في ذلك ومن أين استقى المعلومات، وكذلك ما قاله في (هيِّنه) فلقد ذكر أنه يقع في (هينه) لآل هيِّن فلم يقم بإرجاع المعلومة إلى أهلها كالمؤرخين ابن غنام وابن بشر رحمهما الله.
ج – ألم يكن الأجدر إذا ورد خلاف في أحد المواقع التاريخية أن يذكر الخلاف ثم يبين الأقرب، ويجب أن يستعين على ذلك بعلماء ومتخصصين في الآثار والمواقع.
د – حينما ذكر أحياء مدينة الدلم لم يذكر ما هو سبب التسمية فيها كما عمله في حي (الناصرية) وانه نسبة إلى (آل ناصر الحقباني) مع ان بعض الأحياء في مدينة الدلم اسمها الحالي منسوب الى بعض العوائل الساكنين في الدلم، أو أسر انقطع ذكرها.
هـ – المعلومة التاريخية ل(المحمدي) من اين استقاها؟ ومن هم (آل محمد الحضرة حكام الدلم آنذاك) ولماذا لم يستدل على ذلك بدليل تاريخي أو وثائق؟ أو راوية ثقة.
و – حينما تكلم عن (ماوان) قال: وفي حوالي القرن الحادي عشر الهجري اتخذها آل زامل مقراً لهم وحكموا من كان فيه وبنوا في أول الوادي الحصون المنيعة والجدران المرتفعة وسط الوادي .. إلى آخره. أقول: هذه رواية عامية لا تصح من وجوه:
1 – وجدت وثيقة تاريخية كتبت عام 980هـ فيها معلومات كثيرة ومنها أن (آل زامل حكام قلعة الدلم) وهذا يدل على أن آل زامل وجدوا قبل هذا التاريخ في الدلم وهم حكامها.
2- إذا سلمنا أن (آل زامل) قد حكموا وادي ماوان قبل هذه الوثيقة ، فأين البلد التي حكموها، ولماذا لم يبق من تلك البلد إلا هذه الآثار.
3- وادي ماوان من أكبر الأودية التي تنحدر من جبال (عليّه) ومن أوسعها وبعيد عن الأوباء، ولو أنك أخي حللت الأبيات التي أوردتها عن (ابن المقرَّب العيوني) لوجدت انه يشكو من خرابها وأنها أصبحت موحشة بعد عمرانها، وهذا يدل على أن بلد (ماوان) قد خربت قبل بداية حكم العيونيين عام 469هـ.
4- الأستاذ عبدالحكيم بن عبدالرحمن العواد من أهل الدرعية قارب أن يخرج كتاباً عن (قبيلة عائذ) وقف على هذه الآثار المذكورة وله فيها رأي لعلك تستأنس به، فالواجب في مثل هذه الأمور التي لم يرد دليل بصحتها أن يقال: ذُكر، قِيل، لعله، فالأقرب، بدون جزم.
ز – (العذار) بودي حينما تكلمت عن العذار وبينت تاريخه، استدللت على ذلك بما ورد في التاريخ والوثائق الموجودة لدى الأسر المعروفة في (العذار) ولديَّ وثائق من ذلك ولدى غيري منها الكثير، وفي ثنايا كلامك عن (العذار) في السطر الثاني من هذه الفقرة: (تتخللها الأبراج للحماية وهي في مواقع متفرقة قرب جامع العذار وفي سعادة) ولم يفهم القارئ ما هي سعادة، ولو أنك جعلتها بين قوسين (سعادة) لعرف القارئ أنك تقصد شيئا ما، وللقارئ نوضح أن (سعادة) مزرعة جنوب جامع العذار أوقف غلتها أحد مشاهير دولة قطر منذ وقت ليس بالقصير على جامع العذار، ووثائقها موجودة لدى محكمة الدلم وعند إمام جامع العذار.
ح – ذكرت من مواقع (زميقه) قصر (عرار) و(الفريع) وذكرت وقعه على الإمام سعود بن فيصل بن تركي وإخوانه، فهل الوقعة في (الفريع) أم في (عرار) لأن في ذلك خلافا، ولو استرشدت بالمصادر في هذه المعركة لتبينت الحقيقة ومنها كتاب (عنوان السعد والمجد فيما استظرف من أخبار الحجاز ونجد) للشيخ عبدالرحمن بن ناصر مخطوط، فقد ذكر المعركة بالتفصيل.
ط – حينما ذكرت المواقع القديمة في الدلم لم تبذل جهداً يذكر في البحث عن بقاء هذه المسميات باسمها أو صحِّفت عن اسمها الحقيقي، وليتك استدللت بالباحثين في المواقع والآثار لاستفدت كثيراً.
5 – التنظيم الإداري:
أ- حينما عددت أمراء ورؤساء الدلم لم تذكر مرجعا رسميا في ذلك.
ب – ألم يكن الأجدر بك حينما تكلمت عن المساجد والأوقاف في الدلم ان تذكر مرجعاً رسمياً يعتمد عليه، إلا ما ذكرته في تعداد المساجد الحالية في الدلم، ثم لماذا لم تُجدَّ البحث عن المساجد القديمة في الدلم وهي كثيرة ولها وثائق موجودة عند كثير من السكان.
6- الوثائق في الدلم:
ذكرت انها من الكثرة بمكان، وهذا والله صحيح وصدق، ولكن لماذا لم تحلل تلك الوثائق تحليلاً تاريخياً وتستفد منها في توثيق التاريخ للدلم وتريحنا من كثير من الروايات العامية المتعارضة، ألم تسمع قول صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض: (إن أصح ما يوثق التاريخ تحليل الوثائق)، إنني اطلعت واطلع غيري من الباحثين في المتاحف العلمية داخل المملكة وخارجها على وثائق تاريخية كثيرة عن الدلم وأهلها لو حللت تحليلاً تاريخياً ودرست لخرج منها الباحث بعلم غزير ولو لا خشية الإطالة لسردت لك أرقامها في المتاحف، وهي بلا شك تغنينا عن الروايات العامية التي يتناقض كثير منها.
7- مشروع خفس دغره الزراعي:
حينما تكلمت عن الذين ترأسوا وأشرفوا على مشروع (خفس دغره الزراعي):
– ذكرت منهم (إبراهيم بن حبودل وانه هو الذي بنى المجمع السكني جنوب غربي الجامع الحالي وبنى المسجد الجامع وسكن الإمام والمؤذن والمستودعات) ما هو مرجعك في هذا؟
8- المؤسسات الأهلية (نادي الشرق الرياضي)
أوضحت تاريخ هذا النادي ومن رأسه الى ان وقفت عند رئاسة الأستاذ سعد بن عبدالرحمن الدريهم، فهلا رأسه بعده أحد، أم أن هناك رؤساء كثر، أذكر منهم د. هلال بن محمد العسكر والأخ عبدالله بن عبدالعزيز المحسن وغيرهما.
9- الشعر والشعراء والحركة الثقافية:
أ – ذكرت سرداً للشعراء في الدلم ولم نعرف طريقتك في سرد الأسماء، هل هو بالحروف الهجائية أم بالترتيب الأبجدي أو بالأقدم في التاريخ أم بالأقوى شعراً، وسردك للأسماء مخالف للأمور السابقة .. وإلا فهل ترى ان أستاذي العزيز ومعلمي المخلص د. عبدالرحمن بن ناصر الداغري يرضى ان تقدمه على الشيوخ الشعراء راشد بن محمد بن خنين، عبداللطيف بن شديد، محمد بن عبدالعزيز بن هليل، لا أظن ذلك.
ب – في قصيدة (ذكرى نادي الدلم الثقافي) قلت إن الشاعر هو عبدالرحمن أحمد العميري، فياليتك أشكلتها حتى نعرف هل هو (العميري) بكسر العين، أم (العميري) بفتح العين وكلاهما أسرتان في الدلم، وكذلك ما وقع في (المحسن) و(المحسِّن).
ج – أنت تتكلم عن شعراء الدلم وتفاجئنا بذكر لشاعر من دولة السودان، وهم بلا شك اخواننا في الدين، فيلزم من ذلك أن تذكر المصري واليمني الذين تغنوا في الدلم.
10- المواقع الأثرية في الدلم:
أ – (آثار ماوان) نحيل القارئ الى الملحوظة رقم (3) فقرة (و).
ب – غار الإمام تركي بن عبدالله
– ألم يكن الأجدر بك وأنت من أبناء مدينة الدلم الذي من آثارها هذا الغار وله أهمية تاريخية وفخر مبجل عند سكان الدلم بل عند حكام هذه البلاد، ألم يكن الأجدر ان تذهب الى هذا الغار وتوثقه بالصور، لا سيما وانه قد مهد له طريق من وادي (العين).
– نقلت عن مؤلفة (نساء شهيرات من نجد) في فهرس ص412 قولها: (ولا تعطينا المصادر المتاحة أي معلومات أخرى عن هويته) فإن عذرت المؤلفة لكونها ليست من أهل الدلم، فلا تعذر أنت .. وعلى ذلك فأفيدك: إن أقرب من لهويديه هو (معجب بن زابن من آل زميكان) آل شامر العجمي وهو رجل كبير في السن يسكن في حي (الخليج) شرقي مدينة الرياض وله أبناء أحدهما من رفقاء الأمير سلمان بن عبدالعزيز، فلو اتصلت به لأفادك كثيراً عن هذه المرأة، وهو صاحب ورع وتقى.
11- في ملحق الصور
أتيت بعشرين صورة بدون التعريف عليها مما يجعل القارئ في حيرة وعدم معرفة لهذه الصور.
12- في ملحق (الوثائق)
أتيت بوثائق قليلة جداً بالنسبة لتاريخ مدينة الدلم ولم تذكر مرجعك في بعضها، فهلا بحثت في المتاحف الداخلية والخارجية عن الوثائق التاريخية لمدينة الدلم، وقد اطلعت عليها، واطلع عليها غيري من الباحثين، وهي من الأهمية بمكان ومن الكثرة بمكان، وهل ما أتيت به من وثائق يبين مكانة الدلم العلمية والثقافية.
13- لم تأت بما يوحي بانتهاء الكتاب، ولقد ذكرت في مقدمتك بأن من أشرف على الكتاب هو د. الفريق ناصر العرفج، وهو جهد مشكور له، ولقد درجت العادة كما قالت القاعدة الفقهية (كل فنٍ يرجع فيه إلى أهله) فلو راجع كتابك أحد الأكاديميين المتخصصين في التاريخ لأفادك كثيراً، ولن تعدم مدينة الدلم من أبنائها المتخصصين في التاريخ، وعليه فالكتاب يُعد من الجهد المشكور لك إلا أنني أرى أنه (ملف تحقيق لم يغلق بعد) .. ولكنه جمع معلومات كثيرة لا يستهان بها وفتح طريقا لمن بعده.
وفي الختام أرجو من أخي العزيز عبدالعزيز بن ناصر البراك ان يتقبل ملحوظاتي على حد قول القائل (صديقك من صدقك لا من صدَّقك).
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

 

باحث في التاريخ والأنساب

 

المصدر